أخلاقيات الصورة في توثيق العمل الخيري والإغاثي

image

أخلاقيات الصورة في توثيق العمل الخيري والإغاثي

يُعد العمل الخيري التطوعي شريكاً استراتيجياً للقطاع الحكومي والقطاع التجاري الربحي، لذا أطلق عليه المتخصّصّون "القطاع الثالث"، كونه يسهم في التوازن الاجتماعي مع القطاعين: الأول والثاني من خلال مؤسسات المجتمع المدني والأهلي، التي تُمـثّــل للهيئات الخيرية التطوعية مكـّونـاً حيوياً، ورافداً أساسياً في الشراكة الاجتماعية لبُنيِة المجتمع المدني. وعند توثيق المعونات الإغاثية والإنسانية وكيفية استلامها من المحتاجين والمستحقين، تُعرف هذه العملية اصطلاحاً بـ "أخلاقيات الصورة"، وفيها تكمن أهمية تحلي الأشخاص القائمين على هذه العملية بأخلاقيات الحفاظ على شعور الأفراد الأضعف وإضفاء جو من الود واللباقة عند تسليم المساعدات، لإنجاح أي علاقة إنسانية تقوم على تقديم المعونات. (أ . هـ من مقال للدكتور منصور القطري في موقعه بتصرف يسير) فصناعة الصورة والرسالة الإعلامية الجيدة التي تخدم توجه الجمعيات الخيرية لا تستوجب تجاهل خصوصية المستفيدين بعرض صُوَرهم في المنشورات والأخبار دون مراعاة مشاعرهم، ومراعاة الذائقة الاجتماعية التي يمرون بها، ودون مراعاة الضوابط الأخلاقية تحت "دعوى التوثيق"، خصوصاً في ظل الانفتاح المعلوماتي وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وأهمية توظيف الصورة والخبر. " أ. هـ من مقال للأستاذ : السيد الشامي في موقع إسلاميات" وعند مراقبة المشهد الإعلامي بشكل عام أو مطالعة الأخبار الصحفية، نجد في الكثير من الأحيان تجاوزات لبعض المنشآت والهيئات العاملة لاتتناسب مع "أخلاقيات الصورة"، ومن هذه التجاوزات: إظهار المنّة في العطاء، وتصوير المستفيدين أثناء استلامهم للإعانات بشكل مهيّن، وإجراء اللقاءات مع المحتاجين أو ذويهم بصورة تحمل في طياتها الامتنان والامتهان ولا تتناسب مع " أخلاقيات الصورة "، مع التسليم التام بحسن المقصد وهو مجرد التوثيق. |لذا رسم الشرع الحكيم ملامح لأدبيات العطاء؛ وذلك في قوله تعالى: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءًۭ وَلَا شُكُورًا - سورة الإنسان. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن طلب من الفقراء الدعاء أو الثناء خرج من هذه الآية" [الفتاوى (11/111) بتصرف يسير]، وقال أيضا: "ومن طلب من العباد العِوض ثناءً أو دعاءً أو غير ذلك لم يكن محسناً إليهم لله" (الفتاوى) 1/ 54. وقد أشارت الآيات القرآنية في مواضعَ شتى إلى تأصيل مفهوم إنساني نبيل وهو "ضمان كرامة المحتاج" من قِبل الباذلين، تأمّل قوله تعالى: فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [9-10 سورة الضحى - وأقرأ قوله تعالى: كلا بل لا تكرمون اليتيم – سورة الفجر. وهذا المعنى ورد في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [262-263 سورة البقرة وهذا هو مفترق الطرق بين الهيئات الإغاثية الإسلامية والمنظمات الغربية -باعتبار أن الهيئات الإسلامية تنطلق من ثوابت شرعية وأسُس إنسانية نبيلة ورسالةٍ سامية، تـنُبع من مبدأ التكافل الاجتماعي، الذي وضحه الشارع الحكيم في قوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ - سورة الحجرات - خلافاً لمنظمات العون الغربية الرسمية والتي تعتمد في غالبها على مبدأ المقايضة في مصالحها السياسية والاقتصادية مقابل العطاء وهو ما يحلو للكاتب البريطاني "غراهام هانكوك" وصفها في كتابه " سادة الفقر" بأنهم الراقصون في الأزمات والسائحون في الكوارث . على أن توثيق الأعمال الخيرية والإغاثية للمنشأة عبر الطرق الإعلامية والإعلانية الحديثة وعمل التقارير الدورية لمجالس الإدارات يتم بمراعاة جانبين اثنين: الجانب الأول: التفريق في التوثيق بين صنفين من الأعمال الخيرية: الصنف الأول: وهم الأشخاص المستفيدون من العون مباشرة كالأيتام والأرامل ومن في حكمهم، فهؤلاء يُكتفى في التوثيق بتزويد الكافل بالبيانات الشخصية الكاملة للمستفيد وتذيّيلها بالوثائق الخطية في استلام المبالغ أو صور الشيكات في حال كان العطاء دورياً من طرف الباذل، وعبر رؤية محاسبية ومؤسّسية. الصنف الثاني: المشاريع ذات الطابع المرحلي كبناء المدارس والأوقاف وحفر الآبار ففي هذه الحالات يتم التصوير لمراحل المشروع كاملة، ويُستحسن استخدام آلات التصوير التي تُظهر تاريخ الالتقاط للصورة فهو جانبٌ توثيقي مُعتبر للمانحين من جهة ولأرشفة العمل الخيري وتقيّيم الأداء المهني من جهة أخرى. الجانب الثاني: مراعاة حالة السلم والحرب من قبل الباذلين؛ فإلحاح البعض بتزويدهم بتصوير وتوثيق المعونات إبـّان الصراعات والحروب وخاصة في برامج الإغاثة العاجلة، قد يسبّب في تأخر وصول المعونات، أو يعرض العاملين والمستفيدين للخطر؛ وفي هذه الحالات يجب أن تكون الثقة هي سيدة الموقف بين الباذلين والمنشآت الخيرية. وهنا يبرز تفعيل مفهوم (الجودة الشاملة) في العمل المؤسّسي الخيري والإغاثي من خلال تظافر الجهود وتعزيز مفهوم منظومة العمل المشترك من خلال أمرين: الأول: إقامة الدورات التدريبية وورش العمل المتخصّصة لتأهيل العاملين في المجال الخيري والإغاثي للرفع بمستوياتهم العلمية والعملية، وتدريب الكوادر الإعلامية لديها على أدبيات التوثيق من خلال المنظور الشرعي بدءً من عملية التصوير وانتهاءً بالإخراج. الثاني: تشكيل (الهويّة الإعلامية) للمنشأة من خلال أهمية إبراز (الشعار) للهيئات والمؤسسات والإغاثية في التقارير المرئية والمطبوعة ولباس العاملين وصناديق المعونات. كما أن على المؤسسات الخيرية أن تسير في طريقها عبر مسارين متوازيين: المسار الأول: تعميق أواصر الثقة بينها وبين المانحين والباذلين من خلال وضوح الرؤية في المشاريع والأعمال الخيرية. المسار الثاني: بناء الشراكات والتحالفات الإقليمية مع الهيئات الخيرية الأخرى، وعبر الإسهام في تبنّي المؤتمرات والملتقيات ضمن الأطر الشرعية.

image