المدونة

image
القطاع الإجتماعي, 09-10-2021

الجمهور.. طرق مخاطبته وأنواعه.
 

من التسطيح المخل اعتبار أن الجمهور كله يندرج تحت تصنيف معين وكأنه قالب جامد لتتم مخاطبته بذات الأساليب، ومن غير الحكمة التغاضي عن المشتركات الخاصة بين فئات معينة تندرج تحت تصنيف أو أكثر مثل: التصنيف بالعمر، أو الثقافة، أو قيم المجتمع، أو الصفات والمشتركات المحلية، أو الحالة الاقتصادية سواء الشخصية أو العامة. وفي حال نظرنا الى نوعية الجمهور من ناحية قبول الرسالة والتفاعل الإيجابي معها، نجد أنه من المعروف أن التأثير هو عملية تتعلق بمدى إمكانية قبول الرسالة الإعلامية من المتلقين، حيث يتأثر ذلك القبول بعوامل مساعدة مثل: من الذي يطرح هذه الرسالة؟، وكيف يطرحها وبأي أسلوب، إضافةً إلى التوقيت العرض ومدى جاذبية الرسالة؛ وقد كانت هناك نظريات سابقة تتحدث عن أن الإعلام له تأثير سحري على المتلقي بمجرد محاولة الإقناع، وهي ما عرفت بـ "نظرية الطلقة السحرية" أو "الحقنة تحت الجلد". وهذا هوما يدرك الأكاديميون والباحثون اليوم أنه إسرافاً في التفاؤل والتنظير؛ لأن المتلقي يتأثر بعوامل مختلفة مثل: التنشئة الاجتماعية والثقافية والدينية، وعوامل ذاتية، وأخرى انتقائية قد تجعله في النهاية يستجيب أو يرفض أو يتشكك في الرسالة الإعلامية، وانطلاقاً من هذه النقاط، قام علماء الاتصال بوضع مبادئ تتناول صفات معينة بقبول الجمهور للرسالة فقد صنف "دينيس هويت" جمهور المتلقين إلى نوعين رئيسيين هما: أولاً: الجمهور العنيد: وهو الجمهور الذي لا يستسلم بشكلٍ كامل لوسائل الإعلام التي تسعى إلى تغيير آراء ومواقف واتجاهات الجمهور والسيطرة عليه، وذلك أن الرؤية هنا تفترض أن وسائل الإعلام ليس لها قوة إقناعية كبيرة لتغيير عقول الناس بسبب عوامل الانتقائية ""Selectivity التي تؤثر على فعالية وسائل الاتصال وتتمثل في: التعرض الانتقائي، والإدراك الانتقائي، والتذكر الانتقائي، ومع ذلك فإن الإقناع العقلي ومصداقية مرسل الرسالة يؤثران نوعاً ما في قبولهم. ثانياً: الجمهور الحساس: يرى " هويت " أن وسائل الإعلام لا تؤثر في كل فرد، وإنما هناك بعض الأفراد الذين يتأثرون بوسائل الإعلام أكثر من غيرهم، وهذا ليس نابعاً من خصائصهم الشخصية إذ إنه لا توجد دلائل قوية تؤكد الفكرة بأن بعض الأشخاص أكثر إقناعاً من غيرهم بالرسائل الإعلامية، ولكن الأمر يتعلق بوجود أفراد أكثر حساسية من غيرهم، يفترض فيهم أن يكونوا بحاجة أكثر إلى الحماية مثل الأطفال والمراهقين والشباب والنساء وكبار السن، وهذا النوع من الجمهور هو الذي يطلق عليه "هويت " "الجمهور الحساس" الذي يصلح معه الخطاب العاطفي. ويرى " صالح أبو إصبع " أنه يمكن إضافة نوع ثالث من الجمهور وهو ما يطلق عليه "الجمهور اللامبالي" وهو الجمهور الذي لا يقف موقف الرفض أو القبول، بل يتعامل مع الرسائل الإعلامية بإهمال تام ولا مبالاة، غير معنى بالرسالة على عكس الجمهور العنيد الذي يهمه الرسالة، ولكنه لا يستجيب لها، والأساس أن هذا الجمهور يلفت نظره الطرح المبتكر المختلف والأداء المبهر. فليراعي فريق العمل تلك النوعيات، وإن لم يتحدد لهم ذلك، فالتنويع والتوازن هو الحل الأمثل، وفي كل الأحوال، يظل التحدي الأكبر هو "الإبداع في الطرح وتنويع الاستمالات بين العاطفية والعقلية"، إلى جانب الاعتماد على الحقائق دون مبالغة أو تهوين، الأمر الذي يتطلب دقة ومثابرة وتجديد، مع تنويع التناول بجاذبية واستخدام أدوات وإمكانات الوسائل بحرفية. |... أقرأ التفاصيل
image
القطاع الإجتماعي, 09-10-2021

مشكلات منهجية بالعمل الخيري خلال الأزمات الطويلة

لا شكّ أنّ العداء السّافر للعمل الخيري ذي الهويّة الإسلاميّة -لا سيما الفاعل في بلاد الأزمات الطويلة- واستهدافه بتجفيف المنابع، وملاحقة العاملين فيه، وترهيبهم بشمّاعة الإرهاب ودعمه، في حالةٍ تفرضها قوانين التدافع بينَ الخير والشرّ والحقّ والباطل التي تحكم البشريّة؛ قد أسهم في إحداث ارتباكاتٍ كبيرة في بنية العمل ومؤسساته وآليّات التنفيذ، وهذا لا يعني تبرئة العمل من وجود مشكلات في بنيته ومنهجية تعاطيه مع الأزمات الطارئة والطّويلة، وحصرُ المبرّرات لما يعانيه العمل الخيري في عامل المؤامرة وحده هو أسهل التعليلات للخلاص من المراجعة والهروب من استحقاقات مواجهة الذات، وهو الوصفة السحريّة لإبقاء الحال على ما هو عليه، والمساهمة في ترديه بشكل أكبر. "من أعظم ما يمكن أن يحقّقه العمل الخيري في الأزمات الطّويلة -التي تنطوي على تدمير واسعٍ للبنية البشرية والماديّة، وتفقيرٍ ممنهجٍ وتجهيلٍ كارثيّ- هو فكّ الرّقاب من ربقة الجهل، وتكسير أغلال الفقر، وتحرير المحتاج من العبوديّة وذلّ السؤال" وهنا نحاول تلمّس بعض المشكلات المنهجيّة التي تكتنف العمل الخيري في مؤسّساته وكياناته في بلاد الأزمات الطويلة من عدة جوانب، دون سعيٍ لحصرها من جهةٍ أو الغوص في تفاصيل الآليّات التنفيذيّة وإشكالاتها من جهةٍ أخرى. أولاً: بينَ مقصد الحريّة النظريّ والاستعباد التطبيقي: من أهمّ مقاصد العمل الخيري في الفكر الإسلامي تحقيقَ حريّة الإنسان الذي تمثّلُ الحاجةُ والفقر والمرضُ والجهل أبرزَ عناوين استعباده، والعمل الخيري هو إحدى أهمّ بوّابات تحقيق الحريّة، فمن أعظم ما يمكن أن يحقّقه العمل الخيري في الأزمات الطّويلة -التي تنطوي على تدمير واسعٍ للبنية البشرية والماديّة، وتفقيرٍ ممنهجٍ وتجهيلٍ كارثيّ- هو فكّ الرّقاب من ربقة الجهل، وتكسير أغلال الفقر، وتحرير المحتاج من العبوديّة وذلّ السؤال، إلَّا أنَّ ما يجري من محاولاتٍ لفرضِ توجّهاتٍ سياسيّةٍ أو فكريّةٍ تتبنّاها الجهاتُ الدّاعمة أو المؤسسات الإغاثيّة والجمعيّات الخيريّة، أو الابتزاز مقابل الانتصار لاتّجاهٍ سياسيّ أو تنظيمٍ أو جماعةٍ فكريّةٍ أو شرعيّةٍ؛ يتناقضُ تمامًا مع الحريّةِ التي ينبغي أن تكون هي القيمةَ الأسمى عند هذه المؤسسات. ولا يعدو هذا النّوع من العمل الخيريّ أن يكون نقلًا للإنسانِ إلى شكلٍ جديدٍ من العبوديّة، فتحريرُ الإنسان من الفقر أو الجهل مقابلَ إخضاعِه للتّوجّه السياسي أو الديني هو من صور النّخاسة التي تلقى رواجًا في سوق العمل الخيري. ثانياً: غياب "الرّساليّة" والإنسانيّة: العمل الخيري هو عملٌ رساليّ إنسانيّ، وسمة المجتمعات الإنسانيّة والشرائع كلّها، ويعد للمسلمين مرتَكزًا أساسيًّا في البناء والتغيير، منبثقًا من تعاليم الإسلام الذي يحضّ على خدمة الإنسان لأخيه الإنسان بغضّ النّظر عن دينه وعرقه وجنسه وجنسيّته وانتمائه، لذلك فالعمل الإنساني من أبرز أعمال المجتمع الإسلامي في السّلم والحرب؛ فهو في السّلم زكاةٌ مفروضة وصدقةٌ تبرهن على صدق إيمان صاحبها، وفي الحرب جهادٌ بالمالِ يتقدّم ذكره على الجهاد بالنّفس في عموم النّصوص الشرعيّة، ويستوي في الأجر الباذلُ والعاملُ والسّاعي. ومن أهمّ أهدافِ العملّ الخيري تحقيقُ وبناء السلام الأهلي والمجتمعي بإعلاء قيمة الإنسان، وترسيخُ أنّ لهفتَه تُغاثُ فقط لأنّه إنسانٌ بغضّ النّظر عن انتماءاته وأفكاره، ويغيب هذا المبدأ وتختفي قيمته عندما تغلب على المؤسسات أو العاملين فيها النّظرة الضّيقة، والأنانيّة المناطقيّةُ أو الحزبيّة أو العصبيّة الجاهلة للدّين، فعندما يتمّ فرز النّاس مع طول الأزمةِ وإعادة صياغة المجتمع فكريًّا وحزبيًّا وسياسيًّا، بعد تشتت الهويّة الإنسانيّة الجامعة؛ فيكون غياب "الرّساليّة" والإنسانيّة واستحكام الأنانيّة الضيّقة في العمل الخيري سبباً في تمزيق هذا النّسيج الاجتماعي، بدل خياطته وإعادة ترميم ما مزّقته الحروب العلنيّة والخفيّة. "من أهمّ أهدافِ العملّ الخيري تحقيقُ وبناء السّلم الأهلي والمجتمعي من خلال إعلاء قيمة الإنسان، وترسيخُ أنّ لهفتَه تُغاثُ فقط لأنّه إنسانٌ بغضّ النّظر عن انتماءاته وأفكاره، وتختلّ هذه السّمة وتغيبُ عندما تغلب على المؤسسات أو العاملين فيها النّظرة الضّيقة، والأنانيّة المناطقيّةُ أو الحزبيّة أو العصبيّة الجاهلة للدّين" 3- بين الإسعاف والتنمية: إنَّ التّعامل مع الأزمات الطّويلة بطريقة الإغاثة الإسعافيّة يمثّل إشكالًا عميقًا في منهجيّة تعامل الجمعيّات الخيريّة، فالإسعاف العاجل هو أحد أهمّ صور العمل الخيري الذي يجبُ أن تبادر المؤسسات إلى التحضير له قبل الكوارث المتوقّعة والمرتقبة، كفصل الشتاء والعواصف الثلجيّة التي تستهدف خيام اللاجئين ومواطن مكوثهم، وكذلك الإسراع للنجدة بعد وقوع الطارئ من الكوارث كالقصفِ والتدميرِ والتّهجير المفاجئ. وقد أسّست الشريعة الإسلاميّة لهذا المعنى في مواضع كثيرة منها ما ينقله الصّحابيّ أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قال:" بينما نحن في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل على راحلةٍ فجعل يضرب يمينا وشمالًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، يقول أبو سعيد: فذكر من أصناف المال حتى رأينا أنه لا حقّ لأحدٍ منّا في فضل". |فقد استشعر النبي صلى الله عليه وسلّم حاجة الرّجل المنكوب دون إلجائه إلى الاستغاثة والاستصراخ، وسارع إلى إسعافه إغاثيًّا مستنفرًا الطّاقات كلّها رغم أنّه كان في سفرٍ، وعادةً ما يكون النّاس في السّفر قليلي المال وفي حاجةٍ إلى كلّ ما يحملونه منه، غير أنَّ هذا النّوع من الإسعاف الإغاثيّ ليس هو الأصل في العمل الخيريّ. بل إنَّ جوهر العمل الإغاثي والخيري الأصيل يقوم على التنمية الشّاملة لا سيما في الأزمات الطّويلة، التنمية القائمة على الانتقال بمتلقّي المساعدات والمحتاجين إليها من السلبيّة إلى الإيجابيّة والفاعليّة، وبناء الفرد القادر على الاعتماد على نفسه، المساهمِ في الإنقاذ بعد انتشاله من أعماق الحاجة، ونشر ثقافة اليد العليا المعطية وعدم استسهال القبول باليد السفلى الآخذة. وانتهاج التنمية يفرض على المؤسسات الخيرية العاملة في مجتمعات الأزمات الطويلة استثمار المقدرات المالية، وتحويلها إلى فرص عمل بدل توزيعها بالطريقة النمطيّة. وهذا ما رسّخه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين قدم المدينة، وأراد الأنصار قسمة مزارع النخيل التي يملكونها مع المهاجرين. فرفضَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا التوجّه وأمر بالتحوّل إلى أسلوبٍ آخر، وهو بقاء ملكيّة مزارع النخيل لأصحابها من الأنصار على أن يقوموا بفتح أبواب العمل وتهيئةِ فُرَصِه أمام المهاجرين للعمل في هذه المزارع، على أن تكون الثمرة شراكةً بين الطرفين. ومن التنمية المطلوبة التّوقف عن البذل المالي النمطيّ للطلّاب، واستثماره في توجيههم إلى التخصصات الدّراسيّة التي يحتاجها المجتمع لتحقيق التحرير والتغيير والبناء والإصلاح المرتجَى، لا سيما في ظلّ هذه العشوائيّة الكبيرة والتّيه عند شباب بلاد الأزمات، وغياب الموجّه الرّاشد الذي يجب أن يكون جزءاً من العمل الخيري التعليمي. "الغاية من العمل الخيري أصلا هي اجتثاث الفقر والقضاء عليه، وإنهاء الحاجة ومظاهرها، وتحقيق عوامل الاكتفاء والاستقرار في المجتمع؛ لكنَّ الاستمرار على المنهجيّة ذاتها القائمة على كون الجمعيّات الخيريّة مجرّد ساعي بريد بين الغنيّ والفقير (تجمع التبرعات وتعيدُ توزيعها)، لا يمكن له أن يحقّق الغاية من العمل الخيري" إنَّ عدم التحول في العمل الخيري من الإغاثة إلى التنمية في الأزمات الطويلة ينذر بتكريس أثرين خطيرين هما: نشر ثقافة التسوّل الخفي: فعندما يعتاد النّاس استقبال المعونات بشكلٍ دوريّ ولمدّةٍ طويلةٍ؛ فإنَّ هذا يساهم في نشر الخمول الكسل وتكريس "التسوّل غير الصّريح"، ممّا ينذر بخطر جسيم يهدّد المجتمع، والذين تعشّش فيهم هذه الثقافة لا يمكنهم أن يكونوا جزءًا من البناء الذّاتي أو المجتمعيّ، فاستمرار الإغاثة النمطيّة في الأزمات الطويلة على قاعدة اصطياد السمك للفقير وعدم تعليمه الصّيد يقضي على المستهدف بالمساعدة؛ فيزيده غرقًا بدل انتشاله والنهوض به. – الإبقاء على الفقر: إنَّ الغاية من العمل الخيري هي القضاء على الفقر وإنهاء الحاجة ومظاهرها، وتحقيق عوامل الاستقرار في المجتمع؛ لكنَّ الاستمرار على المنهجيّة ذاتها القائمة على كون الجمعيّات الخيريّة مجرّد ساعي بريد بين الغنيّ والفقير (تجمع التبرعات وتعيدُ توزيعها)، لا يمكن له أن يحقّق الغاية الحقيقة من العمل الخيري. فما دامت النمطيّة الإغاثية هي السائدة من حيث الابتعاد عن التنمية، وتقطير توزيع التبرعات وتفتيتُها تحت فلسفة "تعميم الخير على أكبر شريحةٍ أفقيّة"؛ فإن ذلك لا يحقّقُ أكثرَ من تقليم بعض فروع شجرة الفقر ومفرزاته التي يزداد جذرها رسوخًا وعودها اشتدادًا.، ومن المؤكّد أنّ مشكلاتٍ منهجيّة عديدة تكتنفُ عمل الجمعيّات والمؤسسات الخيريّة والإغاثيّة في بلاد الأزمات الطويلة، ولكنّها محاولةٌ لفتح الباب على مراجعاتٍ جادّةٍ، تمكّن الجمعيّات من الارتقاء بالعمل، والقدرة على مجاراة الواقع، وتحقيق الغاية من وجودها إسعافًا وبناءً، والتحصّن في وجه المكائد. ومن المؤكّد أنّ الحديث عن هذه المشكلات لا يبخس مؤسسات العمل الإغاثيّ والجمعيّات الخيريّة دورَها، ولا يقلّلُ من قيمة ما تقوم به في بلاد الأزمات الطّويلة، فرجالها الذين أريقت دماؤهم لأجل رسم ابتسامةٍ على شفاه يتيمٍ، والذين يقبعون في زنازين الطّغيان، وليس لهم من تهمةٍ سوى أنّهم ركبوا المخاطر لأجل المنكوبين في بلادنا المثخنة بالجراح، شاهدٌ عدلٌ على عظيمِ الدّور والأثر، ودماؤهم وأرواحهم ورسالة العمل الخيريّ تستحقُّ من المؤسسّات الخيريّة والعاملين عليها وقفاتِ مراجعةٍ ومصارحةٍ ومواجهة مع الذات. ... أقرأ التفاصيل
image
القطاع الثقافي, 01-04-2024

هكذا نستقبل رمضان
 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه.

 

كانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه أن يتقبله منهم، كانوا يصومون أيامه ويحفظون صيامهم عما يبطله أو ينقصه من اللغو واللهو واللعب والغيبة والنميمة والكذب، وكانوا يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن، كانوا يتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وتفطير الصوَّام.

 

كانوا يجاهدون فيه أنفسهم بطاعة الله، ويجاهدون أعداء الإسلام في سبيل الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، فقد كانت غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون على عدوهم في اليوم السابع عشر من رمضان، وكانت غزوة فتح مكة في العشرين من رمضان حيث دخل الناس في دين الله أفواجًا، وأصبحت مكة دار إسلام، فليس شهرُ رمضان شهرَ خمول ونوم وكسل كما يظنه بعض الناس، ولكنه شهرُ جهاد وعبادة وعمل؛ لذا ينبغي لنا أن نستقبله بالفرح والسرور والحفاوة والتكريم، وكيف لا نكون كذلك في شهر اختاره الله لفريضة الصيام ومشروعية القيام، وإنزال القرآن الكريم لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور؟ وكيف لا نفرح بشهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار، وتُغَلُّ فيه الشياطين وتضاعف فيه الحسنات وترفع الدرجات، وتغفر الخطايا والسيئات.

 

– ينبغي لنا أن ننتهز فرصة الحياة والصحة والشباب، فنعمرها بطاعة الله وحسن عبادته، وأن ننتهز فرصة قدوم هذا الشهر الكريم فنجدد العهد مع الله تعالى على التوبة الصادقة في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات، وأن نلتزم بطاعة الله تعالى مدى الحياة بامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ لنكون من الفائزين {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89]، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:71]، وأن نحافظ على فعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات في رمضان وغيره عملًا بقول الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]، أي حتى تموت، وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163].

 

– ينبغي أن نستقبل هذا الشهر الكريم بالعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا لا تقليدًا وتبعية للآخرين، وأن تصوم جوارحنا عن الآثام من الكلام المحرم والنظر المحرم، والأكل والشرب المحرم؛ لنفوز بالمغفرة والعتق من النار.

 

– ينبغي لنا أن نحافظ على آداب الصيام من تأخير السحور إلى آخر جزء من الليل، وتعجيل الفطر إذا تحققنا من غروب الشمس، والزيادة في أعمال الخير، وأن يقول الصائم إذا شُتِمَ “إني صائم”، فلا يسب من سبه، ولا يقابل السيئة بمثلها، بل يقابلها بالكلمة التي هي أحسن؛ ليتم صومه ويقبل عمله. – يجب علينا الإخلاص لله عز وجل في صلاتنا وصيامنا وجميع أعمالنا، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحًا وابتغي به وجهه، والعمل الصالح هو الخالص لله الموافق لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

– ينبغي للمسلم أن يحافظ على صلاة التراويح، وهي قيام رمضان؛ إقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلفائه الراشدين، واحتسابًا للأجر والثواب المرتب عليها، قال صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» (متفق عليه)، وأن يقوم المصلي مع الإمام حتى ينتهي ليكتب له قيام ليلة لحديث أبي ذر رضي الله عنه الذي رواه أحمد والترمذي وصححه ولفظه: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة».

 

– ينبغي على المسلم أن يحيي ليالي العشر الأواخر من رمضان بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار اتباعًا للسنة، ويسن له الاعتكاف إن تيسر. – وينبغي عليه أن يسعى في طلب ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر -ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر-، وهي الليلة المباركة التي شرفها الله بإنزال القرآن فيها، وتنزل الملائكة والروح فيها، وهي الليلة التي من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، وهي محصورة في العشر الأواخر من رمضان، فينبغي للمسلم أن يجتهد في طلبها.

 

– وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، والمعتكف ممنوع من قرب النساء.

 

– وينبغي للمسلم الصائم أن يحافظ على تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره بتدبر وتفكر؛ ليكون حجة له عند ربه وشفيعًا له يوم القيامة، وقد تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة بقوله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ} [طه:123].

 

– وينبغي أن يتدارس القرآن مع غيره؛ ليفوزا سويًا بالكرامات الأربع التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده» (رواه مسلم).

 

– وينبغي للمسلم أن يلح على الله بالدعاء والاستغفار بالليل والنهار في حال صيامه وعند سحوره، فقد ثبت في الصحيح: «أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر» (رواه مسلم في صحيحه)، وورد الحث على الدعاء في حال الصيام وعند الإفطار، وأن من الدعوات المستجابة دعاء الصائم حتى يفطر أو حين يفطر، وقد أمر الله بالدعاء وتكفل بالإجابة: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].

 

– وينبغي للمسلم أن يحفظ أوقات حياته القصيرة المحدودة فيما ينفعه من عبادة ربه المتنوعة -القاصرة والمتعدية-، ويصونها عما يضره في دينه ودنياه وآخرته، وخصوصًا أوقات شهر رمضان الشريفة الفاضلة التي لا تعوض ولا تقدر بثمن، وهي شاهدة للطائعين بطاعتهم، وشاهدة على العاصين والغافلين بمعاصيهم وغفلاتهم.

 

– وينبغي تنظيم الوقت بدقة لئلا يضيع منه شيء بدون عمل وفائدة، فإنك مسئول عن أوقاتك، ومحاسب عليها، ومجزي على ما عملت فيها

 

(مستفاد من كتاب: كيف نستقبل شهر رمضان؟ للشيخ عبد الله بن جار الله الجار لله).

...
أقرأ التفاصيل
image
القطاع التعليمي, 15-09-2024

جمعية سفير: إحياء القيم الإسلامية عبر مسابقة القرآن الكريم والأربعين النووية**

أقامت جمعية سفير، التي تكرس جهودها لتعزيز القيم الإسلامية وتنمية الوعي الديني بين الشباب، فعاليات متميزة خلال المركز الصيفي 2024. شملت هذه الفعاليات مسابقتين بارزتين: مسابقة حفظ القرآن الكريم ومسابقة الأربعين النووية، تعبيراً عن التزام الجمعية بتعليم الجيل الجديد المبادئ والقيم الإسلامية.

**مسابقة القرآن الكريم**

شهدت الجمعية إقبالاً كبيراً على مسابقة حفظ وتلاوة القرآن الكريم، التي نظمتها بدقة وتميز. شملت المسابقة عدة فئات تتناسب مع مستويات الحفظ والتلاوة المختلفة، مما أتاح للطلاب فرصة بارزة لعرض مهاراتهم وتعميق علاقتهم بالقرآن الكريم. تم تكريم الفائزين من خلال جوائز قيمة وشهادات تقدير، مما أسهم في تحفيز الطلاب للمشاركة بفاعلية والتميز في أداءاتهم.

**مسابقة الأربعين النووية**

إلى جانب مسابقة القرآن الكريم، نظمت الجمعية الي هذه المسابقة التي تهدف إلى تشجيع الطلاب على دراسة الأحاديث النبوية وفهم معانيها وتطبيقها في حياتهم اليومية. من خلال هذه المبادرة، سعت الجمعية إلى تزويد الطلاب بالمعرفة اللازمة حول السنة النبوية وأخلاقيات الإسلام.

**تحفيز الطلاب وتشجيعهم**

من الأهداف الأساسية لجمعية سفير تنظيم هذه الفعاليات هو تحفيز الطلاب وتشجيعهم على المشاركة في الأنشطة الدينية والعلمية. من خلال المسابقات، خلقت الجمعية بيئة تعليمية مشجعة وروحاً من المنافسة الشريفة بين الطلاب. تكريم الفائزين وتقديم الجوائز ساهم في تعزيز دافع الطلاب للاستمرار في طلب العلم وتطوير مهاراتهم.

**الختام**

تُسهم جمعية سفير من خلال هذه الأنشطة في تعزيز القيم الإسلامية وتربية جيل واعٍ ومؤهل. إن مسابقة القرآن الكريم والأربعين النووية لا تقتصر على كونها أحداثاً تعليمية، بل تمثل مبادرات تبني شخصية الشباب المسلم وتحفزهم على الالتزام بالقيم الدينية. بفضل جهودها المستمرة، تظل الجمعية رائدة في العمل الخيري والتعليم الإسلامي، وقدوة في دعم الشباب وتطويرهم.

...
أقرأ التفاصيل