الطفل وحقوقه المادية والمعنوية وإشكالية
الطفل نبت صغير يحتاج لعناية خاصة، لينمو كشجرة نافعة، مفيدة لنفسها ولمحيطها في كل مراحلها العمرية، ومن ثم جاءت التوجيهات الإسلامية بوجوب العناية بالطفل وتحريم إيذائه، وقد قال صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وجعل الإسلام للأطفال حقوقاً على والديهم، كما لهم حقوق على المجتمع. حقوق الطفل المادية والمعنوية الإنفاق على الطفل هو حق أصيل له، حيث يجب النفقة عليه حتى يستطيع التكسب والإنفاق على نفسه، وقال تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) البقرة (233)، وهي تشمل النفقة على الطفل وعلى أمه كذلك ويقول صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت، كما يُحرم تسميته باسم يؤذيه لأن أذية المسلم محرمة، ولا يجوز تكليفه بما لا يطيقه أو إكراهه أو استغلاله أو الإضرار به. أما من ناحية تأديب الطفل وتربيته، فيجب أن تكون على طاعة الله، لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) التحريم (2)، ولما كان الولد من جملة أهل الرجل كانت الآية دليلاً على وجوب تعليم الوالد ولده وتربيته وإرشاده وحمله على الخير والطاعة له ورسوله؛ وهو من الواجبات التي تتطلب جهداً دؤوباً وعملاً متصلاً، ولن يقي المسلم نفسه من عقاب الله أن لم يربي أبناءه على طاعته تعالى، ومن ذلك أيضاً تعليم الطفل الصلاة وما يحتاجه من الآداب ، وقال صلى الله عليه وسلم :( علموا الصبي الصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ) حق الطفل في التعليم وكذلك للطفل حق على واليه في التعليم، حيث يجب على الوالد – ومن في حكمه- أن يؤدب الطفل ويعلمه ما ينفعه من أمور العلم وما ينتفع به الأعمال، فعن أبي رافع، قال: قلت: يا رسول الله، أللولد علينا حق كحقنا عليهم؟ قال: «نعم، حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي، وأن يؤدبه طيباً »، ويقاس على ذلك كل نافع من العلوم وما يصلح لامتهانه من الوظائف. حق الطفل في المحافظة على صحته أما فيما يخص حق الطفل في المحافظة على صحته، فيجب على الوالدين ومن في حكمهما أن يحافظوا على صحة الصغير، فهو أمانة لديهم، وإن من أعظم الذنوب التفريط في الأمانة وإيذائها بأي طريقة، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم فقال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك أو تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، أو تزني بحليلة جارك) فحرم قتل الصغير، وتركه للمرض مما يفضي لقتله أو إيذائه فيشمله هذا التحريم. حق المساواة بين الأبناء ويجب على الوالدين بالنسبة لطفلهما المساواة بينه وبين إخوانه فيما سبق ذكره وفي العطية والهبة، ولا فرق في هذا بين البنين والبنات، فعن النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القبل) لأن في عدم التسوية تأصيل للضغائن والتحاسد بين الأبناء. حق الطفل في اللعب والتدليل الأصل في الإسلام أن يأخذ الطفل حقه من العناية واللعب كما يأخذ حقه من التربية والتعليم وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضرب المثل بذلك في حياته الشريفة، فكان يترك الحسن والحسين يمتطيان ظهره في الصلاة كما في حديث عبد الله بن شداد: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إذ جاءه الحسن فركب عنقه وهو ساجد، فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد حدث أمر، فلما قضى صلاته قالوا: قد أطلت السجود يا رسول الله حتى ظننا أنه قد حدث أمر فقال: " إن ابني قد ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته ".رواه النسائي من رواية عبد الله بن شداد عن أبيه |وكان صلى الله عليه وسلم يأذن للسيدة عائشة رضي الله عنها – وهي صغيرة- أن تلعب مع صديقاتها، وكان لها لعب من الصوف وفرس له جناحان، وفي صحيح مسلم عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا، وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيّامِ مِنىً، تُغَنّيَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُسَجّى بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ. فَكَشَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ. وَقَالَ: " دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنّهَا أَيّامُ عِيدٍ " وَقَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ. وَأَنَا جَارِيَةٌ. فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْعَرِبَةِ الْحَدِيثَةِ السّنّ ومعناه: أنها تحب اللهو والتفرج والنظر إلى اللعب حباً بليغاً، وتحرص على إدامته ما أمكنها ولا تمل ذلك إلا بعذر من تطويل. والعربة -بكسر الراء- أي: المشتهية للعب المحبة له. حول تشغيل الأطفال عند الحديث حول تشغيل الأطفال، فالأصل أن يلقى الطفل في مرحلة طفولته الاستقرار في أسرته مع كثير من الرعاية، وأن ينال حظه من الراحة واللعب واللهو والتدليل، مع إتاحة فرصته الكاملة في الجلوس إلى والديه ليكتسب منهما خبرة الحياة، ومع ذلك فقد تضطر الأسرة بسبب الفقر أن تشغل الأبناء، وإنه ليثير الأسى كثيراً ما نراه في بعض وسائل الإعلام من صور يعاني فيها الأطفال من الأعمال الشاقة، لكن ومع هذه الحالة يجب منع تشغيل الأطفال فيما يشق عليهم من الأعمال، ويجب على الدول التكفل بواجبها بأن تكفي المعوزين حاجتهم. وبشكل عام، فعندما نتكلم عن تشغيل الأطفال فإننا لا نقصد بذلك المنع التام أو الإباحة المطلقة فهناك صور لا حرج فيها من تشغيل الأطفال ولذلك فإن هذا الموضوع لابد من ضبطه من عدة وجوه منها: • الحاجة إلى العمل: فقد يكون للوالدين حاجة ملحة للمساعدة في نفقات الأسرة - وبعد استنفاذ كل الوسائل المباحة - لم يكن من سبيل لديهم إلا تشغيل الأطفال وإذا كانت ثم مسؤولية تقع على الوالدين، فمسؤولية أخرى تقع على عاتق الدول لكفاية الأسرة عن تشغيل أطفالها. • القدرة على العمل: فإن لبعض الأطفال من المواهب الجسمية والنفسية ما يستطيعون معه أداء ما أسند إليهم من أعمال، لاسيما أن كانت تلك الأعمال يسيرة وغير شاقة كالبيع مثلاً. وقد يكون في بعض الأحوال لتشغيل الأطفال فوائد في تنمية قدراتهم وصقل مواهبهم، وهو ما يعود بالنفع على الطفل وعلى أسرته في المستقبل، وكثيراً ما تحرص الأسر الفقيرة والمتوسطة على تشغيل أبنائها في فترات الإجازة من الدراسة، ولعل الصبي يكفي شيئاً من نفقاته وقد يساهم ذلك في كفاية الأسرة وهو هدف مشروع، مع وضع في الاعتبار وجود هامش من التسلية والترفيه لا يُحرم منه الطفل في جميع الأحوال، وبهذا فالتشغيل للأطفال لا يجوز إلا في حال الاضطرار، وبما لا يشق على الأطفال وبما لا يسيء إليهم مع ضمان كافة حقوقهم المعنوية والمالية.